ثم يقول في موضع آخر: "إنه يستحيل أن يكون له تعالى جهة".
هل قال الله تعالى: لي جهة؟! وهل قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله جهة؟! وهل قال
أهل السنة : إن لله جهة، بهذا اللفظ؟!
نحن نثبت لله تعالى العلو والفوقية، وأما قولهم: إنه يلزم من هذا إثبات الجهة، فنقول: نحن لا نقول بهذا، بل أنتم الذين ترون أن هذا من لوازم العلو.
يقول: "يستحيل أن يكون له تعالى جهة، بأن يكون له يمين أو شمال، أو فوق أو تحت، أو خلف أو أمام؛ لأن الجهات الست من عوارض الجسم، ففوق من عوارض عضو الرأس، وتحت من عوارض عضو الرجل، ويمين وشمال من عوارض الجنب الأيمن والأيسر، وأمام وخلف من عوارض البطن والظهر، ومن استحال عليه أن يكون جرماً استحال عليه أن يتصف بهذه الأعضاء ولوازمها. قال في
شرح الوسطى : وعندنا جرم ليس في جهة ولا له جهة، وهو كرة العالم، والآخر جرم ليس له جهة، وهو في جهة لغيره، وهو الحيوان الذي لا يعقل، فإذا قلت: على يمين الفرس، فبالنظر للواقف في محلها"، يعني: أن الحيوانات ليس لها جهات، فإذا قلت: على يمين الفرس، أو على شمال الثور، فذلك كما لو كان مكان الفرس آدمي واقف، أما الفرس فليس له يمين ولا شمال. لماذا ؟! لا ندري!!
قال: "وجرم في جهة وله هو جهة، وهو الإنسان فقط. فعلم من هذا أن الجهات خاصة بمن يعقل"، أي: أن الذي لا يعقل ليس له جهة، قال: "فإذا أضيفت الجهات لغير العاقل كان ذلك بالنظر للعاقل، فإذا قيل: يمين المحراب أو شماله فباعتبار المصلي فيه... إذا علمت هذا، فاعلم أن قوله: هو جهة، عطف على ما قبله" إلى أن يقول: "أو يتقيد بمكان بأن يحل فيه على الدوام، وكذا يستحيل عليه" أي: يستحيل على الله سبحانه وتعالى أن يكون في جهة بناءً على هذا الكلام العقلي المقنع في نظره.
يقول: "يستحيل عليه الحلول في المكان لا على الدوام، بأن يكون فوق العرش أو في السماء" إن القول بأن الله سبحانه فوق العرش وفي السماء هو كلامه تعالى، إذاً هم يردون كلام الله تعالى!
قال: "والمكان عند
أهل السنة -كما تقدم- الفراغ الذي يحل فيه الجرم، فهو موهوم".
قد يقول قائل: هل أصحاب هذه الأقوال هم جميع
الأشعرية أم غلاتهم فقط؟
فنقول: قوله: (والمكان عند أهل السنة ) يعطي شيئاً من الجواب، مع أنهم يرون أنفسهم أهل السنة وأهل الحق، فـالأشاعرة كلهم الغلاة منهم وغير الغلاة، المتقدمون منهم والمتأخرون، لا يثبتون علو الله سبحانه وتعالى، ولا يثبتون أنه تعالى فوق المخلوقات، وكثيراً ما نسمع من يقول: إن مناقشة هذا الأمر وإثارته إنما هي إشارة لأمر قد عفا عليه الزمن، وانقرض؛ فليس هناك فائدة من الكلام فيه.
فنقول: إن هذه العقائد هي التي تدرس في الجامعة الأزهرية، وفي المعاهد الأزهرية، وفي المعاهد الدينية والعلمية في الهند، وفي أندونيسيا، وفي ماليزيا، وفي غيرها من دول أفريقيا وآسيا، وفي معظم المدارس إلا ما كان منها لـأهل الحديث وأنصار السنة وما أشبه ذلك، فهذه العقائد هي التي تحفظ متونها، وتدرس شروحها، وهذا هو ما يعتقدونه تماماً، ويقررونه، ويردون على من خالفه؛ بل ويكفرونه.